أرشيف الأوسمة: النفس البشرية

كاميرا الحياة (6): الذئاب المنفردة تفترس المارة

“ابحث عن الذئب بداخلك واقتله، فإن لم تفعل سيلتهمك”
يُحكى أن الإنسان ميال بطبعه إلى الأنانية، غاية ما في الأمر، أن هناك من روّض وحشها بداخله، هؤلاء ممن يبعثوا مع الأنبياء والصديقين، الذين مضى زمنهم، وهناك من أهال عليها التراب ودفنها حية كي يحظى ببعض الإنسانية تحت مسمى “العطاء”، وإنْ ظلت أشباحها تراوده عن نفسها من حين لآخر، وثالث يؤدي في اللعبة دور الذئب الذي يتربص لكل شاردة وواردة، أدرك هذا أو لم يدرك. بين الثاني والأخير؛ (من يقاوم الذئب بداخله وبين الذئب ذاته) يبدأ الصراع، بين من هو ذاتي حد الأنانية، وبين من هو غيري حد الإسراف؛ تحت لذة التغافل، أو تحت وطأة الاعتياد أو الجبر، أو لغيرها من الأسباب.
مع الوقت يكون المجتمع أمام نوعين من البشر، أفراد يستمتعون بالعطاء الذي يُبرر بألف سببٍ وسبب حد الإدمان والمازوخية، وبين آخرين تمردوا، أو في طريقهم إلى التمرد، إزاء ما يجري حولهم من معطيات في العلاقات الشخصية قد تصل بهم حد الكفر بالآخر، والتأهب الذي ينال من رحمتهم حتى بأنفسهم، أو العطاء تحت وطأة الانكسار النفسي، الذي لا حول لهم ولا قوة في رده؛ لاعتبارات يسهل للعابر أن يحصيها، لكن يصعب عليه أن يمر من تحت نيرانها، بل والتصرف بشأنها لو وقع تحت مذلتها، أو أن يقيم ثورة من الشعارات غير المسئولة تجاهها. وتكون النتيجة إما أننا نقف أمام أفراد ساديين منتقمين ممن حولهم، هذا إذا اختاروا ألا يكونوا في اللعبة فريسة، أو أمام مازوخيين استمرأوا الأحوال وتصاريف الحياة، وبين هذا وذاك ينتج المجتمع أفرادا مشوهين لا جدوى منهم إنسانيا، ويبدو لي أن هذا وجها من وجوه عشوائية المشهد الإنساني من حولنا.
Wolf1035
دعني أزيدك من الشعر بيتا، كما يقول أهل البلاغة، تتجسد المأساة وتأخذ منحى قذرا، كلما اتسعت دوائر القهر، إذ تمارس من الأقوى على الإطلاق على الأقل منه قوة وتضيق الدوائر إلى أن تصل من الضعيف للأضعف، والكوميديا السوداء هنا،حينما تمارس ما بين الضعفاء إذ يصير المشهد عبثيا حد الاشمئزاز بعدما تصبح الممارسات أكثر قذارة، فالصغار حينما يدخلون في حلبة الوضاعة لن يخرج منها سوى واحد قد يموت على مخرج الحلبة المغلقة، أو يعيش كالأموات على أحسن الأحوال.
لست هنا بحاجة لذكر المواقف والمشاهد التي قد تدور في اليوم والليلة للبرهنة، فيكفي أن تتأمل ما يدور حولك، وسترى بعينيك وتسمع بأذنيك، وربما ترى بداخلك أحد هذه الذئاب المنفردة التي تنهش المارة، كلها مشاهد قد تغني عن كل ما قد يُكتب في سطور هذه التدوينة على سبيل الاستشهاد، وربما تضيف إليها ما يجهله كاتبها.
010
وفق دوائر القهر هذه، وإن صحت الرؤية التي تتجسد في عطاء يقابل بأنانية ويطلب المزيد، ويصبح فرض عين تُلام وتُحاسب، بل وتُعاقب أحيانا إنْ لم يُقدم. أو عطاء يقابل بإنكار وجحود قد يصل بك حد الكفر به. وإذا انعدمت الحيلة لدى من يعطي وأصبحت خسائره أكبر من أن تُحصى حال انسحابه، فيقدم القرابين اضطرارا لحسابات قد يكون هو آخر من يتضرر منها.
إن صحت الرؤية، فنحن أمام ثالوث من البشر؛ ذئاب، وفرائس، وغافلين عن دورهم في هذه اللعبة، وأزعم أن هذا وجها من وجوه تحول المجتمع إلى ذئاب منفردة تصبح غايتها استغلال حقوقك لمصالحها، بل ومحاولة استغفال قدراتك العقلية بزعم أن هذا من فرط كرمهم عليك كي تقبل الأيادي وتكيل المديح لحق مسلوب، إذ تتحول المأساة هنا إلى ساحة للتنافس والتفاخر بنصر مخزٍ، تفوح منه رائحة الجثث المغدورة.. هل تتصور أن تنتصر بنزيف الضحية في لعبة ملعونة بأرواح تطارد قاتلها، وهي حسابات لا يقيم لها أحد وزنا، أو يعد لها حسابا، فهي رومانسية مفرطة وسط زمن دهسته الآلات الثقيلة لرأس المال، أدركنا أو لم ندرك.
والآن عليك أن تبحث عن الذئب،
أقتلته أم لا يزال ينهش ما بداخلك دون أن تشعر به.