أرشيف التصنيف: نصوص أدبية

واقعة الأصابع

1
شعر بأصابع ضخمة تعتصر فقرات ظهره، فاستجابت حنجرته بالصراخ تحت يد الجلاد، جاهد أن يرى وجه جلاده الذى يـُـتقن صناعة الألم باحتراف، لم يفلح المسكين فى التقاط ملامح هذا السادى الذى لم يكن سوى يدٍ حديدية مهمتها صناعة الألم فحسب. كما لم يشفع للمسكين النائم فى ملكوت الغفلة انتفاضُ الجسد وهيستريةُ الصراخ، بل لم يزد هذا صاحب اليد إلا إصرارا على إحكام الأصابع على مواطن الوجع.

2
ظل صاحب اليد يمارس عمله باستمتاع لا مبرر له فى مدى زمنى غير محدد، إلى أن وصل للفقرة الأخيرة فى الظهر، ضغط بعنف متناهٍ فانهار الجسد بأكمله، وكأن الجلاد كان ينتظر من الضحية أن تنهار قواها، وتعلن الاستسلام المطلق بصراخ لا تسمع معه صوتها.. كأن هذا هو شرط الجلاد كى يـُنهى الألم.

3
تحرر المسكين من قبضة اليد الحديدية، نهض من نومه، بعدما استرد المخ حياته من قبضة المجهول بالصرخة، أحالت هذه اليقظة الدماغية بينه وبين الموت، نهض دون إدراك منه لما يدور حوله.. لم يسعفه إرهاق جسده فى النهوض التام، فهل كان الإرهاق بفعل الكابوس أم أن استنزافه طوال اليوم كان وراء ذلك؟، المهم أن مخه كفل له حياة جديدة صباح اليوم التالى.

4
استيقظ فى الصباح، شعر ببعض الآلام، أهدته ذاكرته “واقعة الأصابع” التى طاردته وهو غارق فى نومه.. للأسف أدرك التفاصيل، فشعر بأثر الأصابع الحديدية على فقرات ظهره، وتأثير هذا على قدميه، أدرك الألم يقينا فى مفاصله التى لم تعد تقوى على حمله، ماذا حدث وماذا عن تفسير رؤياه، وكيف لكابوس يلقى بهذا الكم من الوجع على جسده ويرحل، كأنه رسالة المجهول إليه، ولماذا لم ير وجها لهذه اليد التى اعتصرته، لم يدرك صاحب الكابوس سيئ الحظ شئيا من هذا كله، كل ما أدركه هو الوجع الذى تركته بصمات صاحب اليد، والسخونة التى تلهب فقرات ظهره، وتلقى بعبء الجسد على قدميه…!!

اغتيـال

تساقط جسده مرهقا، وظل عقله يحرث في بحر الحياة، سحب السلاح من تحت الوسادة، أطلق الرصاص علي عقله، سقط الجسد، وهام العقل في المدي المفتوح، طارده بما تبقي من طلقات ولم يتمكن من إصابته أو اغتياله.

الغوايــة

نظرت بعينيه، قالت:
تجلت فى عينيك وديانٌ ووديانٌ من جزر حواء، لذا سأهبك ما تريد ولأنى أراك عن الحاجة فى غنى سأهبك، فحواء كالدنيا لا تهب من يحتاج. أَوتعلم يا مولاى، بل أنت تعلم، أحمقُ هو من يظن أنه قادر على غواية حواء لأن حواء ببساطة هى الغواية هى من تقرر أن تقترب وإلى أى مدى ـ ربما لا تدرك أحيانا ماذا تريد على وجه الدقة لكنها تدرك أين تقف بأقدامها بدقة حازمة ـ بل هى من تقرُّ ماذا تمنح، وماذا تمنع، ولمن تعطى، ولمن لا تعطى؟
ـ المتعة يا مولاى فى اللعبة.
ـ أى لُعبة؟
ـ لُعبة الحياة، أوليست الحياة الدنيا لعبًـا ولهوًا.. لُعبة الانجذاب.. البعد والقرب.. الوصل والحجب».

فى حضرة الحيـاة

من داخل أتوبيس يشق رحم الصحراء، نام على كتفها أثناء رحلته الطويلة، انتبه نظر بعينيها الخضراوين فرأى الجنة في قلب الصحراء، من أعلى منارة عينيها رأي التفاف السحاب، يحتضن بعضه بعضا فيتكاثر مفترشا السماء، يلمع حينا فيكون أقرب إلى اللون الفضي، ويخفت حينا فيصير رمادى اللون.

تناثر السحاب في قلبه على شكل أمواج تتوالد من رحم التفاف كل منها حول خصر الأخرى، شق شفق الشمس باحمرار مثير قلب السحاب الذي لم يعد يعرف معه الرائى؛ أسحابٌ هو أم أمواجُ البحر كانت؟، غموض وجلال مهيب أيقظه من منامه، حدق في قلب الشفق والشمس البادية في الإشراق فلم ير سوى وجه حبيبته، نظر في عينيها بشغف احتضنها ونام قرير العين إلى أن وصل من رحلته الطويلة وهو يحتضن الشمس بين ذراعيه، وتهبه هي دفء الحياة، وتحرك في قلبه وهج الشوق ليصير مجذوبا في حضرة الحياة.

 
 
 

 

الفــزع

التقاه صديقه مفزوعا فى أحد شوارع وسط المدينة وكأنه كان يبحث عنه، حدثه من دون مقدمات: يا صديقى هل تدرك معنى أن تفقد الانتماء لأى شىء، أن يختلط عليك المعنى ويكون العبث عنوانا للحياة، أن تسكن اللاجدوى كل مفردات الوجود، وتقرر التخلص من أفكارك وتصوراتك وقناعاتك التى انتحرت فى أول مواجهة لها مع المنطق، أن يقتحمك الاغتراب فى شوارع بلادك التى سكنت الذكريات أرصفتها، أن ترى وتسمع ما لم تتوقع أن يروى فى أساطير الأمم، اضطربت الكلمات، وتلعثم اللسان، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة، ربت الصديق على كتفه ورحل.