أرشيف الأوسمة: أنا المتضخمة

كاميرا الحياة 7.. أمام المرآة

ماذا لو قررنا أن ندخل معاً لُعبة المرايا في ملاهي الحياة؟، تـُرى كم وجهٍ سنرى، وأى أشباح سوف نتلمسها ونسمع همسها، وماذا لو توحدنا مع هذه اللعبة المخيفة، وصدّقنا أن ذواتنا تختبئ بداخل أبعادها، بل ماذا لو قررت الخروج من هذه الأبعاد، بعد أن يراودك الشك فتكتشف أن مَنْ كان باللعبة شخصٌ غيرك.

دعنا الآن من اللُعبة والمجاز، ولنقدم نموذجاً مجسداً لفكرة المرايا. ماذا لو اكتشفت أن بداخلك شخصاً لم تكن تعرفه؛ أفكارك ومشاعرك، ومواقفك لم تكن أنت، بل كانت مجموعاً من الأشخاص والأفكار هم وهي مَنْ أملت عليك كل شىء.. كل شيء بالمعنى الحرفي للكلمة، وحينما وقفت لتسال ماذا تبقى منك؟، تأتيك الإجابة ألا شيء.

لا شيء على الإطلاق، هنا تُلقي بنفسك في جحيم الشك، وتود لو رجعت إلى رحم الأم، أو أنك لم تـُلق به نطفةً في لحظة، لا حيلة لك في منعها.

خبرني وقتها، فيمن ستثق؟، وماذا ستعتقد؟، والسؤال الجوهري، ماذا عن مصير كل ما وصلت إليه، من معارف، وأشخاص، كيف ستكون نظرتك إلى الأمور؟

أجدني وأجدك الآن وقد خرجنا من مجرد لُعبة مرايا إلى مسرح جريمة، لاتزال آثارها واقعاً مجسداً أمام مرآة عينيك، بينما يختفي الفاعل، وينفي البعض وجود جريمة من الأساس، وحينما تتحسس أفكارك وقناعاتك تلمسها يداك، وتراها عيناك، لكنك تعجز أن تبرهن عليها.

يا الله، كم هو مؤلم أن تقف أمام المرآة ولا تراك!

أطياف وأشباح تتحرك حولك، ولا تستطيع أن تشير بإصبعك وينطق لسانك “إنهم هنا”، وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تقول في حضرتهم، “أنا هنا”.

أزعم أننا هنا على عتبات الجنون بعدما طرقنا معاً أبواب الشك، وتورطت أقدامنا في الدخول إلى عتبات الاضطراب.

بهذه المشاهد المؤلمة جسّدت له الصديقة أزمتها التي تمر بها، وأوصته بأن يكون راوياً للمأساة.

رئيسية

في البدء لم ينكر عليها أحد تفردها، وإخلاصها فيما تصنعه، وقد وضعها هذا في مقام رفيع بدائرة المحيطين بها، وجعل منها شخصاً ذا شأن، يظن أنه رأى الحقيقة مجسدة بعينيه اللتين خدعتهما مرآة الضلال، دون أن تدرك.

تضخمت الأنا، ونال منها الكِبر، فكانت الصورة كاريكاتورية بامتياز؛ (عقل  متضخم رُكِّب على جسد صغير). يستشيرونه الكبار على أنها منهم، بينما أقرانها يرونها مضحكة، فيكيلون لها من التنمر ما استطاعوا إليه سبيلا.

ضاق الجسد على العقل. ضاق بها الواقع المحيط. فاختلقت آخرين في عالم افتراضي قبل أن يكون للعالم الأزرق (فيسبوك) وجودٌ فى دنيا مارك زوكربريج. خلقتهم في ظلمات العقل الباطن والغرف المغلقة، وحبستهم فى عقلها الصغير، لتستدعيهم وقت الحاجة إلى أن توحدت معهم، فصاروا عالمها الذي لا تجيد التعامل مع سواه، ونسيت أن تعيش في دنيا الناس.

حلم

كبرت الحواديت بداخلها، وخرجت الأشباح من عقلها الصغير الذي لم يتمرس على أوجاع الحياة، إلى النور، وكفل لها خيالها العظيم أن تضع من هم على أرض الواقع في أنماط عرائسها التي خلقتها، وبدأت تمارس على الجميع حق تقرير المصير كدمى، لا كأفراد. استمتعت كثيرا بلُعبة السمع والطاعة، التي أتقنوها بعدما صارت لهم رباً، فهم من صنع خيالها وكان حق لها عليهم أن يسمعوا دبيبها كما تريد هي، لا كما يمليه الواقع المعاش.

على هذا النحو تعاملت مع دنيا الله وخلقه، ونصبّـت نفسها “ربة اليقين المطلق”، دون أن تدرك أن الحياة لها ألفُ وجهٍ ووجه.

كفلت لها الذات المتضخمة ألا ترى سواها. وحين دبت صراعات الداخل ظهر صراخ وعويل، كاد يفقدها دائرتها المقربة لها، بعدما ساءت أحوالها الصحية والمزاجية.

persona_tunnel1

وماذا بعد؟

هنا كان لابد من التوقف وطرح السؤال المشروع، أين الحقيقة وأين الخيال فيما يجري، وبين هذا وذاك، وقفت في مفترق الطرق لتُفصح عن السجن الذي ورطت نفسها بالدخول إليه دون أن تدرك بعدما امتدت بها لعبة الظلال. ونسيت أنها في مفترق طرق، وبين الاتجاهات المتعددة وضجيج السيارات الذي يصم أذنيها، وبين السجن الذي شيدت جدرانه كي تحتمي بها، لم تعد تعرف أين تقف بخطاها على وجه اليقين؟

 وكان السؤال الأكثر خطورة (هل تحولت لعبة المرايا إلى مسرح للجريمة؟)…

للرواية بقية.

للمزيد، اقرأ أيضا

كاميرا الحياة (6): الذئاب المنفردة تفترس المارة