“العين فلقت الحجر”.. هل يخشى المصريون من الحسد؟

“العين مبتحبش تشوف اللى أحسن منها يا ولدى، حتى لو الإنسان مش قاصد يحسد، العين بتصيب من غير ما تحس”.. بهذه الجمل القصيرة الدالة بدأت السيدة أميمة، البالغة من العمر 56 عاما، حديثها حينما سألتها عن مدى إيمانها بالحسد.

تقول أميمة، وهى صعيدية أصيلة الملامح، ترك الزمن تجاعيده على وجهها رغم احتفاظها ببعض الجمال، “إنها الابنة الأولى، التى نجت من قبضة الموت بعدما وافت المنية سبع أشقاء لها قبل أن يتجاوزوا عامهم الأول، فجأة وبدون مقدمات”.

تضيف السيدة الجنوبية، عن رواية أمها “فى الطفل الثامن، (وهو أخى الذى تخيرته الأقدار ليحيا)، ذهبت أمى إلى جميع الشيوخ تطلب منهم العون، والإرشاد لحماية ابنها، وأجمعوا أنها محسودة من امرأة أخرى، وأن قرين هذه المرأة قوى، وهو من ينفذ أمر العين”.

سألتها ماذا يعنى (تنفيذ أمر العين؟)، فأخبرتنى: “كان يقصد أن هذا القرين هو من يقتل الأطفال”.

141021160438_eye-of-horus-papy_ori.jpg

سلطة الموروث

يقتنع الكثير من الناس بالمثل المصري القائل “العين فلقت الحجر”، ربما لهذا رددوا مثلا آخر  “دارى على شمعتك تقيد”، ليعبر هذا وذاك عن الصورة الذهنية للحسد في الموروث الشعبي المصري، وربما ذِكر الحسد فى القرآن والحديث النبوى أكد مخاوفهم ومخاوف غيرهم، وأصبح حقيقة لا تقبل التنكر لها، خاصة مع وجود بعض المرويات العابرة للأجيال، بل وقوع حوادث مشابهة لهذه المرويات فى الواقع المعاش، ووجود صدى لذكر الحسد في عدد من ثقافات العالم القديمة والمعاصرة.

غياب التفسير العلمى لظاهرة الحسد، أو العين الشريرة” أيضا، ربما صنع جدلا مع ظهور ما يطلق عليه “علم الطاقة الكونى”، ورفضِهِ لـ”الحسد” من قِبل أنصار التفسير العلمى البحت، لتعارضه مع قوانين الفيزياء والطب، وفقا لآرائهم. وأرجع البعض صمود خرافة الحسد حتى يومنا هذا دون باقى الخرافات التى اندثرت فى عصر العلم إلى “تراكم الخرافات عبر الزمن”، بحسب مجلة “العلوم الحقيقية” الإلكترونية.

 ويظل السؤال مطروحا هل لدى المصريين ما يُحسدون عليه؟ أم أن الحسد مجرد أوهام تتجسد فى النفوس من وقع الأثر النفسى لسلطة الموروث؟، وما طبيعة تصور المصريين عن الحسد؟

 

سيدة جنوبية: وليمة القرين أنقذت أخي الثامن من قبضة الموت

 

وليمة القريـــن

تستكمل السيدة أميمة روايتها “بأن الشيخ نصح أمها بـ(جلسه صلح) مع قرين المرأة الحاسدة، واشترط أن تجلس بمفردها فى الغرفة، وأن تجهز الطعام وتضعه على المائدة، وتجلس فى انتظار القرين هى والطفل، وبالفعل تمت جلسة الصلح، واختفى الطعام”.

أوضحت: “أن القرين كانت له طلبات مقابل حياة الطفل الثامن، تذكر منها أن يرضع من أنثى الحمار، ويلبس ملابس قديمة إلى أن يكبر ويصير شابا!!”.

ربما يرى البعض أثر الخرافة فيما ترويه السيدة، لكن الغريب أيضا أن “لعنة الحسد أو العين الشريرة، تسود فى عدد من ثقافات العالم، إذ تـُعرف فى الثقافة العبرية بـ”عين حوتـــه”، وفى ثقافة المغرب العربى بـ”العين الحرشة”، كما تتنوع مسمياتها أيضا فى عدد من الثقافات العالمية منها الألمانية، والإيطالية، والفرنسية”، وفقا لمجلة العلوم الحقيقية.

 

سلطة الموروث ووجود الحسد فى عدة ثقافات رسخ فكرة الظاهرة في المجتمع

 

 

fa18c5e8020d55a7009831ea218efc27--magic-symbols-symbols-and-meaningsورغم هذا، يـُعدُ بعض المصريين وشعوب المنطقة العربية العين والحسد عدوهم اللدود فى الحياة, فما إن يقع مكروه لأحدهم إلا ويرجع السبب إلى أن ما حدث هو العين أو “عين فلان تحديدا”، كما يتفنون فى ابتكار وسائل متعددة للتصدى للعين، فمثلا عند شراء سيارة جديدة تجد من ينصحك بذبح حيوان أو طير، شريطة أن يكون بأربعة أرجل، ثم تضع يدك فى الدم وتضع علامة اليد بالخمسة أصابع على هيكل السيارة، وتتركها لمدة يومين، وبعضهم يضع فردة شبب على إكصدام السيارة الخلفى، أو خرزة زرقاء وغيرها من الممارسات التى تبطل العين والحسد.

 

شاب يروى: “عين الكفيف” دمرت كل ما تلحق به يده

عين الكفيف

يروى أحمد، شاب ريفى فى الثلاثين من عمره، أن فى قريته الصغيرة التابعة لمحافظة المنوفية كان هناك رجل مسن يدعى الشيخ سلامة، وكان كفيفا، يمشى متكأ على عصاه، يتحسس بها طريقه من المنزل إلى المسجد.

يتابع أحمد: “أثناء مرور الشيخ سلامة على أقاربه وجيرانه وبمجرد أن يتحسس بيده الشىء ينتهى أمره؛ فمثلا كان يلمس الجاموسة تموت في اليوم التالى، تخبره عن أمر تنتظره، فلا يحدث، مع تكرار مثل هذه الأحداث معه عُـرف بين الناس بـ(العين الوحشة)، ففر منه الناس أينما وجد”.

بسؤال أحمد عن إمكانية تحكم الحسد فى حياة الإنسان، أجاب: “القدر واحد، ولكنها أسباب، وربنا أمرنا نأخد بالأسباب”، يتابع الشاب: “في صغري كانت جدتى ومن بعدها أمى ترقينا  كل يوم جمعة، تشعل البخور وتمسح البيت بالملح”. يتابع “فى زمن مضى لم أكن أؤمن بالحسد، وحين كبرت، وتكرر كثير من المواقف أمام عينى، تأكدت من وجوده”، ومع هذا يؤكد الشاب أنه يحيا على طبيعته، ولا يمارس أى طقوس درءا لشرور الحسد، ببساطة “لم يعد يبالى بهذا الأمر”.

عروسة الحسد

 “عروسة الحسد”  أشهر الوسائل وأقدمها لدرء الأرواح الشريرة عن المحسود على مر العصور إلى وقتنا هذا، إلى جوار وسائل أخرى منها تعليق الخرزة الزرقاء، أو حدوة الحصان، وإشعال البخور في المنزل، أو تعليق حجاب أو حرز (ورقة مكتوب بداخلها آيات قرآنية وأحاديث وربما أمور أخرى) في رقبة  المحسود، أو توضع تحت الوسادة، أو فى أماكن مختلفة من المنزل، لتقيه شر العين.

 

غياب التفسير العلمى للحسد صنع جدلا فيما يعرف بـ”علم الطاقة الكونى”

 

تحكى الجدة ليلى، أن العروسة عبارة عن ورقة، تقص على شكل عروسة بذراعين وساقين، ثم يمسك شخص بدبوس أو إبرة خياطة، ويبدأ فى ثقب الورقة”.

عن سبب هذه الثقوب تخبرنا: “أن كل ثقب يـُعدُ عينَ حاسد، حيث يسمى مع كل ثقب اسم معين (من عين فلان ويذكر اسمه)، وفى النهاية تحرق العروسة الورقية، ويؤخذ الرماد ونضع نقطة منه على جبين المحسود لعدة ساعات، وبعدها يزول شر العين”.

 

العروسة والخرزة الزرقاء والدم طرق تبطل عين الحسود

الحجــر

حكايات أخرى ترويها سيدات من الجيل الوسيط، وهن أيضا يؤمن بالحسد. تروى يسرا، ابنة الثانية والأربعين عاما،  “أن سيدة رأت ابنة أختها، طفلة فى الثامنة من عمرها، وعلقت على جمال شعرها وكثافته وطوله، في اليوم التالي دخلت أختى تغسل شعر ابنتها، فأصابها ذعر وهى ترى نصف شعر ابنتها يتحول إلى حجر من دون سبب”، تؤكد يسرا: “شعر البنت لم يصب بأى أعراض عابرة، بل تحول لحجر بالمعنى الحرفي للكلمة، لدرجة أصابت الجميع بالفزع”، تستكمل “لم يكن هناك من حل سوى قص شعرها كاملا”، “وحمدنا ربنا إنها جات على قد كدا”.

ورغم روايتها هذه، فإنها تؤكد أن الحسد لا يتحكم فى مصير أحد، و”لا ينبغى أن نقر بهذا، وإلا سيبقى شماعة لمن فقد الحماس وضعفت إرادته، لظرف أو لآخر، وتعثر فى الوصول إلى هدفه، أو لم يتضح الطريق أمامه من الأساس، وصار من التائهين الذين لا يدركون إلى أين يسير بهم قطار الحياة الذى لا يرحم”.

a3573ade2340b225b5d8de94e995669f

نحن الأرواح الشريرة

أما هند، البالغة من العمر أربعين عاما ، فتؤمن أيضا بالحسد. وروت لنا قصة الفستان الذى احترق بفعل العين، بعدما “لقى إعجاب صديقة لها أثناء ذهابهن لفرح، وأُغلق عليه باب السيارة بالخطأ، وفتحت الباب لتُدِخل الفستان فإذا بالشيفون اتهرى فى لحظة، وكأنه اتحرق حرفيا”.

 إجابتها طرحت سؤالا عن الغرب واحتفالاتهم، ولماذا لا يرى الغربيون رؤيتنا هذه: فأخبرتنى: “معتقداتهم مصدرها تراثهم ودياناتهم، ومع هذا لديهم تصرفات أكثر غرابة منا، شخصيا لا أصدق أن بمقدرة البشر طرد الأرواح الشريرة وما إلى ذلك.. إحنا الأرواح الشريرة”.

تتابع:  “مؤخرا أتعاطف مع الحاسد، أصبحت أشفق عليه، واذا حدث وحددت مَنْ الحاسد؟، (بحكم حدسى بالطبع ليس أكثر)، أستميله، وأشاركه ما يحسدني عليه، ربما يغير رأيه، أو يشعر أن له مصلحة فيما يحسدنى عليه، فيحافظ عليه بدلا من تدميره بعين النقمة وزوال النعم”.

“عين حوتة” و”العين الحرشة” مسميات الظاهرة فى أكثر من لسان وثقافة

 

من حق القارئ أن يرى فكرة الحسد على الطريقة التى تمليه عليه قناعاته، وعلى النحو الذى يرضى منطقه الشخصى، لكننا فى نهاية المطاف أمام ظاهرة لا نستطيع التنكر لوقائعها مهما احتكمنا إلى النظريات العلمية التى لم تتمكن من تقديم طرح يفسر الظاهرة، أكثر من كونها “تراكم الخرافات عبر الزمن”، وأنها بفعل تأثير نفسى من المريض الذى يمتلك نزعات لتدمير ذاته، ويسعى لإيهام نفسه بخلق مبرر يوحى له بفكرة الحظ السيئ، وفقما تحاول مجلة “العلوم الحقيقية” إثبات ذلك.

أضف تعليق